من قال إننا متخلفون؟
عندما اصطدم أجدادُنا بمظاهر تطوّر الحضارة الأوروبيّة الناشئة.. ترنّحوا قليلا ثم استفاقوا واستقاموا وبدأوا يتساءلون “لماذا تطوّروا وتخلّفنا!؟ ” وأخذوا يبحثون جادّين عن أجوبة معقولة مقنعة.. شخّصوا الوضع واعترفوا بالخَور والتّخلف والمرض واكتشفوا أننا استغرقنا في سبات عميق بينما العالمين يتعلّمون ويبحثون ويُزلزلون الدّنيا ويخلخلون كوكب الأرض..ثم فجأة.. ظهر لنا من أدخلنا الكهف ثانية.. عزف بمزاميره السّحريّة أنغاما شجيّة كي ينوّم القوم.. ويخدّر العقول المتفتّحة المنبهرة المتعجّبة.. وصاح بنا “مهلا!!! من قال بأننا متخلّفون؟ وأنهم أفضل منّا.. بل هم كالأنعام ونحن الأعلون في الأرض.. نحن الأكمل والأجمل والأكرم ..”
وغرقنا في ذواتنا وسحقتنا أحذية الاستبداد وسوّتنا بالأرض وأتخمتنا بالأكاذيب..
اقتنعنا بهذا الطرح وتركنا الأسئلة بأجوبتها وارتددنا إلى الوراء.. إلى الماضي السعيد.. وتملّكتنا النّرجسيّة والفوقيّة وانتشرت نظريات المؤامرة المُدغدغة لكبرياء المهزومين والفشلة..
نرى ولا نرى.. نسمع ولا نسمع.. نُحلّق في أوهام العظمة المُضحكة ونسبح فوق الزّمان والمكان حتى صرنا مسخا دميما لا يشبه شيئا..
في هذه الأثناء طبعا استكمل الآخرون خطواتهم العملاقة.. طولا وعرضا وارتفاعا.. وفي أبعاد أخرى نسمع عنها ولا نعرفها.. والتحق بهم قوم آخرون..
ونحن نلفّ وندور حول ذواتنا نمضغ الماضي الذي ابتعد.. ونرمق المستقبل الآخذ في الابتعاد عنا كقطار سريع يشقّ الآفاق..