نحتاجُ علمنةً في موريتانيا
إن بواكيرَ نشوءِ الفكرِ العلمانيِّ في موريتانيا لم تتبلورْ إلّا خلال العشرِ سنواتٍ الماضيةِ بفضلِ جهودِ نخبةٍ من الشبابِ. هذه النخبةُ شكَّلت (الحاملَ) أو (الناقلَ) للأفكارِ التنويريَّةِ، ومضت قدما لنشرِها في المجتمعِ الموريتاني.
كما إن التنويريّين في الدولِ العربيّةِ قد تبنّوا هذه القيمَ قبلنا بفترةٍ زمنيّةٍ طويلة.
إلّا أن النخبَ الموريتانيّة كانت متأخرةً زمنيا في التعرُّفِ على الأفكارِ العلمانيّة والتأثُّرِ بها ومن ثمَّ المطالبة بها وذلك لعدةِ أسبابٍ:
- 1. الدولةُ الموريتانيّة كانت ولا تزال تسيِّرُها المؤسسةُ الدينيّةُ.
عدمُ وجودِ نخبةٍ في موريتانيا تأخذُ على عاتقِها لعبَ دورٍ فعّالٍ في التغييرِ، إذ كانت أعدادُهم القليلةُ نسبيا، لا تشكِّلُ حافزا للمطالبةِ بالتغييرِ والتحديثِ.
3. الاستبدادُ الدينيُّ وضعَ حاجزا كبيرا أمام التحديثِ والتنويِر والثقافةِ في موريتانيا. - إحجامُ النخبِ سابقا عن المطالبةِ بالأفكارِ الليبراليَّةِ والعلمانيَّة ِالتي تطالبُ بحقوقٍ متساويةٍ، حتَّى لا تفقدُ الامتيازاتِ التي حصلت عليها.
إنَّ تزايدَ الأصواتِ المطالبة بعلمانيَّةِ الدولةِ جاء نتيجةً لنشوءِ نخبةٍ شبابيّةٍ علمانيّةٍ أصبحَ سقفُ مطالبِها عاليا حيثُ سئموا من تكميمِ الأفواهِ ومن قوانينِ الدولةِ الدينيّةِ التي تقيِّدُ حريَّةَ التعبيرِ، مطالبين بإنهاءِ حكمِ “نظام الفكرِ الواحدِ وأحادية الاختيارِ“.
الشبابُ الموريتاني طالبَ بعلمنةِ الدولةِ لقناعتِه بأنَّ الدولةَ وُجدِت للحفاظِ على التعدديَّةِ وكفالةِ حريَّةِ الاختيارِ وإظهارِ هذا الاختيارِ للجميعِ وهذا ما لم نجده في ظلِّ الحكمِ الدينيِّ لموريتانيا منذ تأسيسِ الدولةِ حتَّى هذهِ اللحظة،
بل تمَّ تحديثُ المنظومةِ القانونيّةِ بنصوصٍ قمعيةٍ أكثر.
مثل قانون انتهاك المقدّسات الفضفاض الذي يجعلُ عمليةَ الاعتقالِ بلا معالم محددَّة وواضحة فأي فعلٍ يمكنُ أن يضافَ تحت بندِ انتهاكِ المقدّساتِ طبقا لإستراتيجيةٍ ممنهجةٍ تنتهجُها الحكومةُ الموريتانيَّة لإسكاتِ الأصواتِ الحرَّة.
ما يحدثُ داخل موريتانيا اليوم هو بمثابةِ شمعة تنيرُ عتمةَ الواقعِ ونقطة تَحوُّلٍ من مرحلةِ الصمتِ والصوتِ الخافتِ إلى مرحلةِ المواجهةِ الصريحةِ مع المؤسساتِ التي تقيِّدُ وتسلبُ وتنتهكُ حريَّةَ الشعبِ الموريتاني وهذا ما يبعثُ على الأملِ لمستقبلِنا.
مطالبُ الشبابِ الموريتاني الحرِّ اليوم هي علمنةُ الدولة.
لكي نخرجَ من مرحلةِ عنقِ الزجاجةِ التي نتقوقعُ فيها منذ فترةٍ طويلةٍ لابدّ لنا من التخلص من معوِّقات الحريَّة،
وهذا الأمرُ لن يتحقَّقَ بسهولةٍ لأنَّ المؤسسةَ الدينيّةّ والعسكريّةَ اللتان تسيطران على مقاليدِ الحكمِ في موريتانيا لن تسمحا بذلك بسهولةٍ.
علينا مواصلة بذلِ الجهودِ من أجلِ تحقيق هدفِنا لكبحِ جماحِ انتهاكِ حقوقِ الإنسانِ بقوةِ القانونِ كما هو موجود حاليا في المنظومة القانونيّةِ الموريتانية.
يبقى السؤالُ المطروحُ دائما هو كيف نتحرّرُ؟ أو بمعنى آخر كيف نصلُ إلى الحريّة؟
علينا أن نحطِّمَ القيودَ التي تقفُ في وجهِ التحرُّرِ، لأنَّ بدونِ تحطيمِها ستظلُّ الحريّةُ والليبراليّةُ والعلمانيّةُ مجردَ مطالبٍ نخبويّةٍ!
وهذا ما نحصدُ نتيجتَه إلى الآن، فنحن ما زلنا نتقوقعُ في مرحلةِ المطالبِ!
يجبُ علينا التحوُّل من مرحلةِ المطالبِ إلى مرحلةِ التغييرِ والأفعالِ
ما دمنا نخافُ من دفعِ الثمنِ ونصمتُ أمام البطشِ بمَن يواجِهُ بشجاعةٍ ونندِّدُ على استحياء!
سنبقى ندسُّ رؤوسَنا في الأرضِ كالنعامِ
لكن لنتذكر بأنَّ الحقوقَ لا تُعطَى بل تُنتزَع
“النضالُ السريُّ” – هو مرحلةٌ، عندما نتقوقعُ فيها لفترةٍ طويلةٍ لن نحصلَ على الاعترافِ بحقوقِنا لفترةٍ طويلةٍ أيضا
العالمُ يتقدَّمُ ونحن نطالبُ
العالمُ يخترعُ ونحن نندِّدُ
العالمُ يقدِّسُ الحرِّيّات الفرديةَ ونحن نصلبُها
العالمُ يعملُ ونحن ننظرُ ونصنعُ المزيدَ من الشعاراتِ
العالمُ يساوي في الحقوقِ ونحن ننتهكُها
الدولُ انتقلت إلى النظامِ العلمانيِّ الذي لا يفرِّقُ بين أحدٍ من مواطنيه ونحن لا زلنا نتبنّى النظامَ الدينيَّ الذي يحرمُ من يختلفُ في الفكرِ والمعتقدِ من حقوقِ المواطنةِ بل يقتلُهم.