ما اهمية حرية المعتقد
هل حرية المعتقد ترف؟ هل تقود الى الحرب الاهلية؟ هل ستدمر الاسلام؟
من تداعيات الربيع العربي رغم فشله السياسي على العموم هي اعطاء دفعة جديدة لحركات تطالب بالحريات الفردية, في مواقع التواصل الاجتماعي والمنشورات الورقية والمحاضرات العامة والمنتديات تتتعالي اصوات من اجل المطالبة بما كان يعتبر من الطابوهات المسكوت عنها كرفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج الزواج وكذا اقرار حق تغيير الدين او اعلان عدم التدين, بموازاة مع ذلك تتعالى اصوات تصدر حتى من مثقفين ان حرية المعتقد ترف وان هناك مطالب اكثر راهنية كالخبز والمسكن والتطبيب, بل هناك من يذهب ان المطالبة بحرية المعتقد قد تؤدي الى حرب اهلية وتطاحن بين فضائل مجتمعية متناقضة التوجهات العقدية ويحتفظ المتدينون متشددين ووسطيين برايهم الثابت ان حرية المعتقد تهدف الى تدمير الدين الاسلامي فهل هاته التساؤلات لها حظ من الصحة؟
هل حرية المعتقد ترف؟ ثم ماهي حرية المعتقد وما هي النصوص المقعدة لها؟
ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اقرته الامم المتحدة في فصله التاسع على ان الدول يجب ان تحفظ حرية المعتقد لكافة الافراد المدافعون عن فكرة حرية المعتقد كترف غالبا من اليسار العربي الذي في مسيرة نضاله وتواجده في المنطقة جعل من حسم الصراع الطبقي وتوزيع الثروات اولوية الاولويات وجعل المطالبة بالحريات شيئا سينشء بشكل اوتوماتيكي في مجتمع العدالة الاجتماعية, بعد عقود من عمل اليسار لم يحسم الصراع الطبقي ولم تتحقق الحريات لماذا؟
ان العودة الى تاريخ الحركات العمالية الكبرى في القرن التاسع عشر تجعلنا نرى انها كانت مسبوقة بقرنين من الحريات والاشتغال الفلسفي والعمومي بها, ان فلاسفة الانوار كروسو وفولتير ومونتيسكيو وجهوا انتقادات قاتلة للسلطة الكنسية واستعملوا التحليل العقلي تارة والسخرية تارة, يقول فولتير “حرية المعتقد لايمكنها ان تقود الى اشياء سيئة ” ان رفع الحجر على الضمير والعقل هو ما اتاح مغامرة العقل الانساني وفتوحاته العلمية الكبرى في الغرب كما اتاح انضمام الطبقات المسحوقة في نضال مكثف من اجل تحسين مستوى عيشها, ان انسانا تحجر عليه اديان تعتبر توزيع الثروة قدرا الهيا لايمكنه ان يثور من اجل حقه في الاكل والمسكن وغيره, نرى في عالمنا الاسلامي موقف السلطات الدينية من اشكال الحراك المجتمعي التي يعتبرونها فتنة وخروجا عن الحاكم, اذ لاشيء فقهيا يبيح الخروج عن الحاكم غير كفره, يعني يمكن للحاكم ان يكون مستبدا, ان يراكم الثروات ويوزعها كما يريد لكن هذا لا يبرر الخروج عليه رغم ان هذا هو ما يلحق الضرر وليس كفره الذي لا يؤذي غيره, الدين هنا يصير عائقا امام المواطنة والمحاسبة المفروضة في العقد بين الحاكم والمواطنين ان عدم تبلور برجوازية وطنية وتعبيراتها الحزبية الليبرالية القوية من اسباب تعثر مسيرة الحريات التي كانت البرجوازية مطالبا بها وراعية لها في اوروبا هل تبشر المطالبة بحرية المعتقد بحرب اهلية؟
ان قراءة لتاريخ اوروبا مثلا تعلمنا ان دولها خرجت من الحروب الاهلية الطاحنة بين التوجهات الدينية المختلفة بعد ان اقرت العلمانية وحرية المعتقد, نجد ان بؤر الحروب الاهلية الحالية هي بلدان ليس فيها حرية معتقد كسوريا وليبيا واليمن فهل حرية المعتقد تهدد الامن والاستقرار الداخلي ام العكس؟
ان التاريخ الحديث اثبت ان حرية المعتقد هي احد مداخل السلم الاجتماعي ولنا مثال في دول الشمال الاوروبي التي قطعت اشواطا كبيرة في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحريات وتاتي في مقدمة الدول من حيث مؤشرات التنمية والتعليم بل حتى في مؤشر السعادة تحتل دول الشمال الاوروبي المراتب الاولى هل حرية المعتقد ستؤدي الى دمار الدين الاسلامي؟
هذا السؤال يمكن الاجابة عليه برصد حياة المسلمين في الدول العلمانية التي تتيح حرية المعتقد, من خلال حياتي في فرنسا منذ ثماني عشر سنة الاحظ ان لا احد يمنع المسلمين من ممارسة طقوسهم وبناء مساجدهم على نفقتهم ولبس الحجاب في الشارع هناك اشياء ممنوعة بالطبع كالنقاب لان المواطن يجب ان يتواجد بوجهه مكشوفا في الفضاء العام يمنع ايضا الاستيلاء على الشارع العام من اجل الصلاة الجماعية كما يعمد الى ذلك بعض التيارات السلفية في استفزاز واضح لليمين المتطرف الذي يصب الزيت على نار التشدد, هناك تجاذب بين هذين الشكلين من التطرف ويتغذيان من بعضهما البعض وساعود الى هذا الموضوع ونتائجه في مقال خاص يعتبر الدين الاسلامي هو القوة الدينية الثانية في فرنسا فهل تقضي حرية المعتقد على الدين الاسلامي؟
مالذي يخفيه هذا التخوف؟
هذا التخوف يخفي رغبة كليانية في فرض الدين الاسلامي كاختيار عقدي للجميع وهذا هو منطوق دستور 2011 حيث الاسلام هو دين المملكة وقد شاهدنا كيف تم حذف بند حرية المعتقد من مسودة اللدستور تحت ضغط التيارات التي تستعمل الدين لممارسة السلطة تحمي الدولة هاته الفئة المقاومة للحريات بقانون هو “زعزعة عقيدة مسلم وهو قانون مطاط وهو يشمل الاكراه والاغراء فان عرفنا حدود الاكراه فاين يتحدد معنى الاغراء, هل هو دفع المال مثلا؟ تصوير عالم اجمل خال من التسلط العقدي؟
يذهب من يدافع عن هذا القانون حد التحايل على بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان فيردون ربط حرية المعتقد بالواجبات تجاه الجماعة ويقولون ان هذا تقييد لتلك الحرية الاساسية بالخصوصيات الوطنية, ان منطوق البنود تربط الحرية بضمان الامن العام والاخلاق التي تمنع الحقد على الاشخاص والتحريض عليهم مثلا ويلزم القوانين الوطنية على تفضيل تنمية فردية الشخص وتفتح شخصياتهم الخاصة يدعم القانون الجننائي المغربي التيار الديني بقانون تجريم الافطار العلني وهو قانون مجحف وغير خلاق وتعد على حرية الافراد ويؤدي الى خلق جيش من الصائمين خوفا ونفاقا وهذا لا يخدم المواطنة ولا يخدم التدين الذي يجب ان يخلق مؤمنا صادقا فلماذا يحتاج التيار الديني الى دعم قوته بالمنافقين؟ هل الله يسعده ان يعبد خوفا ونفاقا؟
انهم يسيئون الى الانسان والله معا يجرم القانون المغربي ترك الاسلام والجهر بذلك فهل مسؤولية الدولة هي مراقبة ضمائر الناس وتجنيبهم جحيم الاخرة ام ان دورها هو توفير تعليم جيد ومستشفيات عصرية وسكن وتوظيف وكرامة؟
ان الابقاء على الحدود السجنية بل وحتى القتل في بعض البلدان للحفاظ على الاسلام يكشف فشل الدول الاسلامية في خلق مجتمعات تنمية وعلوم ومعارف وحقوق ويكشف بالواضح ضعف الاسلام نفسه كعقيدة تحتاج العقوبات والسيف لتستمر وتبقي على قواعدها وجيوش مغيبيها ان وجود ملك هو نفسه امير المؤنين لا يتعارض مع سن قوانين مدنية تحترم حريات الافراد فبريطانيا مثلا تعتمد قوانين مدنية وفي نفس الان الملكة قائدة الكنيسة الانجليكاية وتتراس قداس الميلاد وغيره ان عدم رفع التجريم على حرية المعتقد سيؤدي الى احتقان مجتمعي بل والى موجات غير مسبوقة من ترك الاسلام كلية مع تعبيرات متطرفة في مواجهة التطرف الديني من جهة اخرى وهذا هو ما يشكل خطرا على امن المجتمع هناك مؤشرات تبعث على الامل فهناك حركات فعالة تدعو الى تفعيل العقل في فهم العالم والتاريخ والانسان وهناك جمعيات حقوقية تضع من مطالبها حرية المعتقد والحريات الفردية وكذا تصاعد وعي الافراد برفض الحجر على العقل والضمير لنتذكر ان فلاسفة الانوار كانوا افرادا قليلين وغيروا وجه فرنسا والتاريخ.