رحلتي منَ الْأُصوليَّةِ إِلى الْعلمانيَّة
مثل أَيِّ إِنسانٍ طبيعيٍّ تطورَّتُ فكريًّا بتطوُّرِ قراءاتي التي كنت شغوفًا بها منذ نعومةِ أَظفاري منذ مرحلةِ ميكي وتان تان والشَّياطين 13 وحتّى وقتنا هذا وأَنا أَسبحُ في فضاءِ الثَّقافةِ الْمصريَّةِ والْعالميّةِ منفتحًا على الْفكرِ بكلِّ أَنواعِه بعدَ أَن تعلَّمتُ أَنَّ كلَّ شيءٍ نسبيٍّ وأَنَّ ما قد أَراه الْآن خطأً قد يكونُ هو الصَّوابُ في الْمستقبلِ والْعكسُ صحيح. ولعلَّ هذا ما يثيرُ قضيَّةَ الْجمودِ الْفكريِّ لدى أُمَّتِنا، حيثُ ينظرُ الْكثيرُ منَ النّاسِ إِلى انتقالِ شخصٍ من فكرٍ إِلى فكرٍ على أَنَّه نوعٌ منَ التَّلوُّنِ وليسِ تطوُّرًا طبيعيًّا يمرُّ به الْإنسانُ الذي يستخدمُ عقلَه، فأَصبحنا باسمِ الثَّباتِ على الْمبدأِ نتحوَّلُ إِلى أَصنامٍ خشبيَّةٍ تظنُّ أّنَّها تمتلكُ الْحقيقةَ الْمطلقةَ، لذلك ما زلْنا نراوحُ في أَماكنِنا مدّعين النَّقاء والْإِخلاص الذي لا يتعدّى كونَه جمودًا وتعصُّبًا.
رحلتي منَ الْأُصوليَّةِ إِلى الْعلمانيَّةِ مرَّتْ بمراحلَ كثيرةٍ يمكنُ سردُها في كتابٍ كاملٍ، إِلّا أَنَّني لست بقاصٍّ ولا أَديبٍ حتّى أَسردُ حكايتي سردًا، ولذلك سأَكتفي بذكرِ نقاطِ التَّحوُّلِ التي نقلتني من شابٍّ محبٍّ للقراءةِ فأُصوليٍّ إِخوانجيٍّ فإِسلاميٍّ مستقلٍّ ثم أَخيرًا علمانيٍّ يعتقدُ في فصلِ الدِّينِ عنِ السِّياسةِ، ويفكِّرُ في النِّسبيِّ بما هو نسبيّ، ويرى أَنَّ الْعقلَ مقدَّمٌ على النَّقلِ وهو الْمخرجُ للْأُمَّةِ الْمصريَّةِ من حالةِ الْجمودِ والتَّخلُّفِ التي تعاني منها منذ قرونٍ.
1- عندما قرَّرتُ نصرةَ الْإِسلام
في مرحلةِ الثَّانوي دخلت عالمَ الْكتبِ الثَّقافيَّةِ الْحقيقيَّ. ولكن للْأَسف أَهداني أَحدُ الْأَشخاصِ كتابًا لروجية جارودي اقتنعْتُ بسببِه بالْمؤامرةِ الْكونيَّةِ الصَّهيوصليبيَّةِ على الْإِسلامِ والْأُمَّةِ الْإِسلاميَّةِ الْعظيمةِ!!! وبما أَنِّى كنت لسه عيل فى تانية ثانوي صدَّقْتُ هذه الْأَساطيرَ واندفعْتُ للمنافحة عن الْإسلامِ وكانت النَّتيجة أَنِّى دخلْتُ الْإِخوانَ آخر ثانوية عامّة.
ولعلَّ أَكبرُ دليلٍ على سذاجتي في ذلك الْوقتِ أَنِّى لم أُفكِّرْ للحظةٍ أَنِّى أَدرسُ في كليَّةِ سان مارك وهى مدرسةٌ كاثوليكيَّةٌ يشرفُ عليها رهبانٌ معظمُهم أُوروبيّون والْباقون منَ الشّامِ لم يهتَّمّ أَحدٌ منهم أَن يبشِّرنا بالْمسيحيَّةِ أَو أَن يدمِّرَ عقولَنا بل على الْعكسِ لقد تلقَّينا على أَيديهم أَفضلَ تعليمٍ وخضعنا لأَفضل طرقِ التَّربيةِ بل أَنِّى أُرجعُ إِليهم الْفضلَ وإِلى والديَّ في قدرتي على التَّفكيرِ الْمستقلِّ وفي مختلفِ الْمهاراتِ الْفكريَّة التي اكتسبتها.
2- عندما اكتشفت أَنَّ الْإِخوانَ لا يمتلكون مشروعًا وإِنَّما مجرد شعاراتٍ
حدثَ هذا خلال حربِ الْخليجِ الْأُولى، عندما وقعَ التَّنظيمُ الدُّوليُّ في حيص بيص بين أيديولوجيَّته الْقائمةِ على الْأُمَّةِ الْإِسلاميَّةِ الْواحدةِ وبين الانتماءِ للوطنِ فانقسمَ التَّنظيمُ. إِخوانُ الْخليجِ انحازوا للوطنِ (ثبتَ لاحقًا أَنَّهم كانوا مجبرين على ذلك لأَسبابٍ براجماتيه) وإِخوانُ الْأُردنِ وحماس والسّودان والْيمنِ وسوريا معَ صدّام فأّيَّدوا احتلالَ الْكويت في حين وقفَ إِخوانُ مصرَ محتارين من يرضون؟ إِخوانُ الْخليجِ مصدرُ التَّمويلِ الَأَساسيُّ أَم الْإِخوانُ اْلآخرونَ مصدرُ الرِّجالِ وأَصحابُ الْأَقدميّةِ في التَّنظيمِ وربَّما الْأَقرب لفكرِ إِخوانِ مصرَ فحاولوا مسك الْعصايه منَ الْمنتصفِ، لذلك رفعوا شعارَ “صدام باغي وبوش محتَّل والْإِسلامُ هو الْحلُّ” كما بدأوا يروِّجونَ إِلى أَنَّ هذه هي الْبدايةُ لتأسيسِ إِسرائيل الْكبرى من النّيلِ إِلى الْفراتِ وأَنَّ إسرائيل تحضِّرُ لغزوِ الْأُردنِ للوصولِ إِلى الْعراقِ.
في هذه الْأَثناءِ ذهبنا للقاهرةِ والتقينا مأمون الْهضيبي عضوَ مكتبِ الْإِرشادِ في ذلكَ الْوقتِ في الْمقرِّ الْقديمِ بسوقِ التَّوفيقيَّة، فكانَ سؤالي له حولَ موقفِ الْإِخوانِ إِذا اجتاحَت إسرائيل الْأُردن فأَخذَ يتحدَّثُ ويتحدَّثُ ولم أَخرجْ من كلامِهِ بجملةٍ واحدةٍ مفيدةٍ ووجدته يحلِّلُ الْموقفَ كلَّه تحليلًا ينمُّ عنِ الْغباءِ وعدمِ إِدراكِ الْواقعِ.
التَّجربةُ الْأُخرى، كانت عند تصاعدِ مشاكلي مع الْإِخوانِ وتحويلي لكعب داير على قياداتِ الْإِخوانِ في الْإِسكندريَّة لعلَّ أَحدَهم يشفيني من جنوني فأَخذني الْمسؤولُ عنّي إِلى إبراهيم الزَّعفراني وطلعت فهمي ومدحت الْحداد حتّى وصلَ عصام الْحداد (مستشار مرسي للشُّؤونِ الْخارجيَّةِ) من انجلترا فاعتقدوا أَنَّ هذا هو الْمخلِّص إللى حيجيب معايا من الآخر، ما هو عايش في انجلترا بأه ودماغه لوزعية ألماعية. المهم ذهبت إِليه وتحاورنا وكان أَوَّل سؤال لي هو عن الْحزبِ الشُّيوعيِّ في ظلِّ حكمِ الْإِخوانِ فكان ردُّه أَسوأَ مما تخيَّلت إِذ قالَ “يا أخ مؤمن مش عايزين نبقى أرأيتيين” ما أَنْ سمعت هذا الرَّدَّ حتّى صمتَ تمامًا حتّى أَتركَه يقولُ ما يحفظُه لأَنصرفَ سريعًا فالنقاشُ لن يزيدَ الْجلسةَ إِلّا طولًا ونفخًا. يومها عرفت أَنَّ هؤلاءَ ليسَ لهم مشروعٌ ولا يعرفونَ ماذا سيفعلونَ إِذا تولّوا السُّلطة.
لهذا توقَّعت من أَوَّل لحظةٍ انهيارَ حكمِهم بفضلِ غبائِهم وجهلِهم وليسَ بفضلِ أَيِّ شيءٍ آخر
3- عندما عرفت الْفكرَ الْإِرهابيَّ للإِخوانِ
دايما الْإِخوان كانوا بيقولوا إِنَّهم ضدَّ الْعنفِ في الْعلنِ وفي الْإعلامِ، لكن داخل التَّنظيم كان حاجة تانية خالص وإِليكم هذه اللقطات:
– أَيّام انتخابات اتِّحاد الطَّلبةِ كان يتمُّ استدعاءُ أَعضاءِ الجَّماعةِ من لاعبي الرِّياضات الْقتاليَّة للتَّواجدِ في الْكليَّةِ حتّى لو مش طلبة وبيكونوا مجهزين الجنازير والمنشاكوا
– معظم زمايلنا اللي تمّ اعتقالهم كانوا بيخرجوا بعد شهر أَو شهر ونص وعندهم حالة إِعجاب شديد بالجهاديين اللى قابلوهم في السجن.
– كان يُشار دائما في الْأَسرِ إِلى بطولاتِ وجهادِ التَّنظيمِ الْخاص
– إِذا جاء ذكرُ خالد الاسلامبولي قاتلُ السّادات لأَيِّ سببٍ يُذكر مقترنًا بلقبِ “الشَّهيد”
–أَدبيّات الْإِخوان الْمسلمين في سوريا لا تقلُّ إِرهابًا وعنفًا عن كتابِ معالمٌ في الطِّريقِ لسيِّد قطب وعلى رأسِها كتابُ الْمنهجُ الْحركيُّ للسّيرةِ النَّبويِّةِ لمنير الْغضبان وكذلك كتابات سعيد حوى.
4- يا عزيزي كلُّهم متطرِّفون مستبدّون يعشقونَ الْقوَّةَ الْمسلَّحة.
سأَلني صديقي: “هو القرضاوي ماله قلب مرَّة واحدة كده؟“
قلت: “مقلبش ولا حاجة هو طول عمرة كده كلّ ما في الْأَمر أن الْإِعلام بتاعنا ركَّز عليه لما المصالح تضاربت.”
أَنا قابلته مرَّتين في حياتي، مرَّة في بيته الْخاص وهو مبنى من 3 أدوار في شارع متفرع من عباس الْعقاد في الْقاهرة، كنا ما زلنا داخل الْإِخوانِ ولكن لنا اعتراضاتُنا وملاحظاتُنا على أداءِ التَّنظيمِ، فأَيّدنا فيما قلنا ولكنَّه رفضَ أَنْ نتركَ التَّنظيمَ وطلبَ أَنْ نظلَّ داخله والْعملَ على إِصلاحِهِ منَ الدَّاخلِ. ويومها كالَ الْمديحَ لنظامِ الْبشيرِ والتّرابي وكانَ مُنتشيًا جدًا بالتَّجربةِ السّودانيَّةِ وعلى خلافِ الْإِخوان كان يؤيِّدُ فكرةَ الانقلاباتِ الْعسكريَّةِ. وكان يرى أَنَّ الانضمامَ للجِّماعاتِ الْإِسلاميَّةِ هو الْبديلُ الْعصريُّ للهجرةِ من أَجلِ إِقامةِ الدَّولةِ الْإِسلاميَّةِ.
والْمرة الثانية في شقتِهِ في الْإسكندريَّة، كانت في الدّور الـ 16 تقريبًا مطلّة على الْبحرِ عند محمد نجيب وفى اليوم ده سألته مباشرة: “هل لو تولّينا الْحكمَ سنسمحُ بوجودِ حزبٍ شيوعيٍّ إِعمالًا للديمقراطيّة؟” فرفض رفضًا شديدًا، حتّى عندما جادلته من منطلقٍ دينيٍّ وليس سياسيٍ أَنَّه يمكنُنا اعتبارَ الشُّيوعيين مثلَ الْمنافقين الذين تركهم الرَّسولُ وشأنَهم، إِلّا أَنَّ الرَّجلَ أَصرَّ على رفضِهِ بوجودِ حزبٍ شيوعيٍّ إِذا تولّى الْإِخوانُ الْحكمَ.
ولهذا أَنا لا أَعترفُ بفكرةِ “إِسلامجى معتدلٌ” و “إِسلامجى متطرِّفٌ”. ولهذا لا أصدق أَيَّ إِسلامجي يقولُ إِنَّه يؤمنُ بالدِّيمقراطيَّة.
5- الْفسادُ الْأَخلاقيُّ عندَ الْإِخوان
منَ الْأُمورِ التي نبَّهتني إِلى الْفسادِ الْأَخلاقيِّ عند الْإِخوان بعيدًا عن السّياسةِ والْفكرِ والدّينِ، قصة شركةِ لينة للكمبيوتر، شركةُ كمبيوتر في أَواخرِ الثَّمانيناتِ يعنى من أَوائلِ شركاتِ الْكمبيوترِ في إِسكندريّة، يعنى بيزنس جامد ومربح جدًا مش زي دلوقتي، يمتلكها قيادي إِخواني كان يقومُ بعملِه الْإِخواني في أَفغانستان وترك إِدارتَها لإِثنين؛ واحدٌ تجارة (هارب في تركيا الْآن) والثاني مهندسٌ أَصبح من الْأسامي التقيلة فى نقابةِ الْمهندسين بس مش عارف مصيره ايه دلوقتي. المهم سعادتكم الاتنين مسكوا الشركة وأداروها واكتسبوا خبرة في مجال كان لسه جديد على مصر ودخلوا سوق جديد، وبعد ما اكتسبوا الخبرة وتعرَّفوا على الشِّركات والسّوق والْعملاء، أَخدوا ده كله وخلعوا وعملوا شركة لنفسهم وأَصبحوا مليونيرات لاحقا، وسقطت لينة وأَفلست وخسر القيادي الْإِخوانجي أَمواله بسبب خيانةِ أَبناء الدَّعوة الرَّبّانيَّة.
6- الْفرقُ بينَ فسادِ الْإِخوان وفسادِ الْحزبِ الْوطنيِّ
كثيرون كانوا يقولون إِنَّهم معَ الْإِخوان ضدّ الْحزبِ الْوطنيِّ لأَنَّهم بتوع ربنا ومش فاسدين زي بتوع الْحزب الْوطنيِّ.
“يا حبيبي الاتنين فاسدين بس الْفرق بينهم إن بتوع الْحزب الْوطني بيحطوا في جيوبهم الْخاصّة وبتوع الْإِخوان بيحطوا في جيب الْجماعة وخد القصتين دول.”
– كنّا في اتِّحاد الطُّلابِ بنجيب فواتير بأعلى من السِّعر الْحقيقيِّ للأَشياءِ لكن ماكناش بنحط الْفرق في جيبنا ولكن بنصرف بيها على أَنشطة الْجماعة غير الرَّسميّة؛ إفطارات، رحلات دعوية، الْأَسابيع الثَّقافية غير الرسميّة، الْمنشورات. وحتّى الْحاجات الرَّسميّة كنّا بنشغلها لحساب الْجماعة يعنى رحلات الاتِّحاد ما كانش بيعلن عنها واللى يحجز الْأَوَّل يطلع، كنّا بنطلّع النّاس الْقريبة من الجَّماعة أَو الْمطلوب تجنيدهم.
– مرَّة من الْمرّات اللي طلعت فيها رحلة الْعمرة مع اتِّحاد طلّاب جامعة الاسكندريّة، اللي طبعًا بتطلع مع شركة سياحة إِخوانيّة، والشِّيخ اللي بيطلع معاها بيكون مش شيخ بيكون أَحد قيادات الْإِخوان، يعنى أَكتر من مرَّة طلع جمعة أَمين (عضو مكتب إِرشاد وهربان في لندن) بمراته وابنه. في الْمرَّة دي أَنا كالعادة طالع بفلوسي أَو بالْأَحرى بفلوس الْمرحوم أَبويا، اكتشفت وأَنا هناك إِنى مكتوب مشرف يعنى المفروض أَكون طالع مجانًا، وواحد دكتور المشرف الفعلي مكتوب إِنه طالع على حسابه وده معناه ان فلوسي اتحطت للأَخ ده عشان يطلع العمرة.
7- شوفينيَّةُ الْإِخوان
يرى أَعضاءُ جماعةِ الْإِخوان أَنَّهم الْأَفضلُ والْأَعلمُ والْأَكثرُ خبرةً وجهادًا وحكمةً من باقي الْإِسلاميّين سواءَ كانوا أَفرادَا أَم جماعاتٍ باستثناءِ الْجماعاتِ الْجهاديَّة.
فقد كانت السُّخريةُ منَ الْمفكرينَ الإِسلاميّين أّمثال محمد عمارة وطارق الْبشري وفهمي هويدي أَمرًا معتادًا باعتبارهم “قاعدين في التَّكييف بياكلوا تفاح وينظّروا”
أَمّا السَّلفيون فكانوا بالنِّسبة لنا مجموعة من الْمتخلفين عقليَّا، وأَتذكَّر معركتَنا الشَّهيرةَ معهم التي استمرَّت على مدارِ أُسبوعٍ على إِمامةِ الصَّلاةِ في مسجدِ كليَّةِ التَّربيةِ باعتبارِه أَكبر مساجد مجمَّعٍ نظريٍّ وكونه يتوسَّطُ الْمجمَّعَ، فقد كان إِمامُ صلاةِ الظُّهرِ دائمًا مسؤولَ مجمَّعٍ نظريٍّ أَو من ينوبُ عنه في حالةِ غيابِه، لسببٍ ما قرَّر السَّلفيّون التَّمرُّدَ على هذا الْوضعِ وكسرَ سيطرةِ الْإِخوان على الْمسجدِ وأَنْ يتولّى مسؤولُ السَّلفيين في الْمجمَّعِ إِمامةِ الصَّلاةِ وكانت الْحجّةُ أَنَّه لا تجوزُ إِمامةُ الْحليقِ، واشتعلت الْمعركةُ وحدث تشابكٌ بالْأَيدي أَكثر من مرَّةٍ داخلَ الْمسجدِ ما دفع الْإِدارةَ لإِغلاقِ الْمسجدِ حتّى تسوية الْأَمر، فكانت التَّسويةُ بتعيينِ أَحد موظَّفي رعايةِ الشَّبابِ بكليَّة التَّربيةِ إِمامًا لصلاةِ الظُّهرِ ففرحَ السَّلفيِّون لأَنَّه ملتحٍ وضحكَ الْإِخوان وشعروا بالنَّصرِ لأَنَّه إِخوانجي مستترٌ.
“حاسس بيكوا وأنتوا بتقولوا أد إيه العالم الهايفة دي؟ خناقة عشان دقن؟ لا يا سيدى وستى إِنها الرغبة في الزعامة فإِمامة الصلاة في فكر هؤلاء هي رمز القيادة والزعامة“
8- عندما تعرضْتُ للفاشيَّةِ الْإخوانيَّة
ذكرت لكم الْموقفَ الْحقيقيَّ للْإِخوانِ منَ الدِّيمقراطيَّةِ، ولكن كان هذا في مقابلِ الْآخر والْآن مع موقفين حدثوا لي داخلَ التَّنظيمِ.
بعدَ أَنْ أَصبحتُ أخًا عاملاً أَصبحتُ عضوًا في أُسرةٍ فكنّا نجلس ونضع برنامجَ الْعملِ ونخطِّطُ للْأَيّامِ الْقادمةِ ونأخذ الْقرارَ بأَغلبيَّةِ الْحضورِ ونروّح، نيجي تاني يوم نلاقي حاجات تانية خالص مطلوب مننا نعملها ولما نسأل مسؤول الكلية (أَمير الْجماعة بأَلفاظ السَّبعينات): “مش اتفقنا على كذا؟”، يقول: “لا أَصل الْإِخوة شايفين كذا وطلبوا نعمل كذا وهو غير اللي اتفقنا عليه تمامًا.” مع الْوقتِ كان غضبي بيزيد من هذا التَّصرُّف الاستبداديِّ، فصككت لفظ “القرارات اللى بتنزل علينا بالباراشوت“. وبدأت أَعمل مشاكل بسبب الْموضوع دا وحصل تأزم في الْكليَّة نتيجة انضمام آخين تانيين لي كانوا متصعدين معي. بعد فترة مسؤول الكلية اقترح (طلعت أوامر بعد كده) اننا نعمل رحلة مع نفسنا إحنا 8 أَو 9 إِخوة عاملين في كلية التِّجارة فقط ورحنا فعلًا انطونيادس لعبنا كرة وروَّقنا لكن على نص الْيوم حضر عبد الْعزيز زويل وطبعًا فهّمنا اللعبة على طول، الْبيه جه مخصوص علشانّا فضل يلك ويعجن لكن لفت نظري إِنّه انتقد جملة “القرارات اللي بتنزل علينا بالباراشوت“، لحظتها عرفت إن أَدِ اللي بيكح فينا القيادة بتتبلغ بكحته.
عشان كده لو إِخوانجي قالك: “اِحنا جماعة شوريّة“، اديله على قفاه وقوله: “اِمشي يا خروف.”
اد أتذكر ردّ فعلي أول ما عرفت في نادي الْأَطبّاء “وبتهاجموا عصر عبد الناصر عشان الْأَخ كان بيبلَّغ عن أَخوه؟ ما أَنتوا بتعملوا زيه أَهو“
9- عندما تمَّ إِعطائي شلّوط إِلى أَعلى
مع تزايدِ الْمشاكلِ بيني وبينَ الْإِخوان تم “ترقيتي” من مسؤولِ اللجنةِ الثَّقافيَّةِ بجامعةِ الاسكندريَّةِ والتي كانت تتشكَّلُ من 2 من كلِّ كليَّةِ يعنى حوالي 20 فردًا إِلى مسؤولٍ عن تثقيفِ أَعضاءِ الْجماعةِ وهو منصبٌ تمَّ اختراعُه لركني على الرَّفِّ وعزلي عن بقيَّةِ أَفرادِ الْجماعةِ حتّى لا أَنقلَ لهم أَفكاري الْمريضةَ عن الشُّورى والْحرِّيَّة وأَهميَّةِ الثَّقافةِ والْفكرِ. وغالبًا ما كانوا يتركونني استفردُ بأَعضاءِ الْجماعةِ فقد كانَ يحضرُ أَحدُ الْقياداتِ ليعارضَ ما أَقولُ ولأَنَّه كانَ مسطَّحَ الْفكرِ مفلطحَ الْعقلِ كانت هذه الْمعارضةُ تقومُ على الاستهزاءِ والسُّخريةِ وليسَ على الْعقلِ والْمنطقِ والدَّليلِ والْبرهانِ. كما تمَّ نقلي معَ اثنين آخرين إِلى أُسرةٍ جديدةٍ من بابِ جمعِ الْبيضِ الْفاسدِ في سلَّةٍ واحدةٍ فقد كانَ نقيبُ الْأُسرةِ أَيضًا من مثيري الشَّغبِ.
10- عندما عرفت بأَنَّه كان هناك اعتراضٌ على تصعيدي.
عندما تمَّ نقلي إِلى الْأُسرةِ الْجديدةِ من بابِ جمعِ الْبيضِ الْفاسدِ في سلَّةٍ واحدةٍ كما قلت فاجأني النَّقيبُ الْجديدُ أَنَّه كانَ معترضًا على تصعيدي لرتبةِ أَخٍ عاملٍ وأَنَّ من أَصرَّ على تصعيدي هو نقيبي السّابق (هاربٌ حاليّا في تركيا). فلمّا سألته: “لماذا كانَ الاعتراضُ“. قالَ: “لأَنَّك تنظرُ إِلى الْجماعةِ على أَنَّها حزبٌ سياسيٌّ وليست جماعةً اسلاميّةً”. لأَنَّ هذا النَّقيبُ كان منَ الْقلَّةِ التي كانت تصدِّق أَنَّ الْإِخوانَ جماعةٌ دعويَّةٌ في الْأَساسِ وأَنَّ ممارسةَ السِّياسةِ تأتي من بابِ شموليَّةِ الْإِسلام، فلمّا اكتشف حقيقةَ أَنَّها حزبٌ سياسيٌّ انتهازيٌّ ميكافيلي بدأت مشاكلُه وانسحب هو أَيضًا.
ساعتها شعرت بالارتياحِ وأَنَّني لم أَكن حمارًا تمامًا.
11- عندما عرفت أَنَّ الْإِخوانَ ليسوا فزّاعة وأَنَّ أَجهزتَنا الْأَمنيَّةَ مهلهلة
أيّام 25 يناير وقفت ورفضت فكرةَ أَنَّ الْإِخوانَ مجرَّدُ فزّاعة يستخدمها مبارك، مؤكِّدًا خطرهم وأَنَّهم سيكونون الْبديلَ لمبارك، فنحن نستبدل السَّيئَ بالْأَسوأِ. فشتمني مَن شتمني ومسحني مَن مسحني وبلّكني مَن بلّكني وقطع علاقتَه بي مَن قطع.
أَتى يقيني مِن أَنَّ ما نراهُ منَ الْإِخوان هو مجرَّد قمَّةِ جبلِ الْجليدِ، عندما حضرت أَحدَ الْمعسكراتِ لتصعيدي لدرجةِ عاملٍ فكانت الْمفاجأةُ برؤيةِ معيدين وأَساتذةٍ جامعيين يحضرونَ الْمعسكرَ استعدادًا لتصعيدِهم أَيضًا، ففرحت طبعًا (وقتها) أَنَّ الْجماعةَ تخترقُ هيئةَ التَّدريسِ بهذه الْقوَّةِ وبشخصيّاتٍ لا يعرفُها أَحدٌ، في أَحدِ الاجتماعاتِ التِّنظيميَّةِ تفاجأت بأَحدِ الطُّلابِ في قسمِ الاقتصادِ يحضرُ معنا وهو كانَ بالنَّسبةِ إِلينا مجرَّدَ طالبٍ متديِّنٍ هادئٍ متفوِّقٍ، فاتَّضحَ أَنَّه أَخٌ عاملٌ ولتفوقِه تمَّ إِخفاؤُه استعدادًا للتَّعيين كمعيدٍ.
أَمّا الْكارثةُ الْكبرى فعندما تمَّ تجنيدُ أَحدِ أَعضاءِ الْجماعةِ الْعاملين ورئيسِ اتِّحادِ طلّابِ كليَّةِ التِّجارةِ ضابطًا احتياطًا، خدم ثلاثَ سنواتٍ كاملةٍ دونَ أَدنى مشكلةٍ وخرج في سلامٍ وأَمانٍ، طبعًا بخلافِ مَن تمَّ تجنيدُهم كعساكر فهم تقريبًا كلُّ أَعضاءِ التَّنظيمِ. يومَها عرفت أَنَّ أَجهزتَنا الْأَمنيَّةَ تعملُ منفصلةً عن بعضِها وأَنَّ أَمنَ الدَّولةِ ليسَ على اتِّصالٍ بالْمخابراتِ الْحربيَّةِ أَو التَّحريّاتِ الْعسكريَّةِ.
“عرفتوا ليه كنت رافض موضوع إِن الْإِخوان فزّاعة وكنت متأكد إِنهم حيمسكوا الْبلد بعد مبارك، وعرفتوا ليه بَقول إِن مبارك والْعادلي شاركوا في تسليم مصر للْإِخوان؟“
أَخ عامل دفعتي وعضو اتِّحادِ طلّابِ كليَّةِ التِّجارةِ، اعتُقلَ وأَثناءَ الاعتقالِ حلَّ موعدُ الْكشفِ الطِّبيِّ فطبعًا مرحش، بعد ما طلع راح منطقة التَّجنيد فسألوه: “ماجتش مع دفعتك تكشف ليه؟” فقالهم: “أَصلي كنت معتقل“، فبعتوه الْمخابرات الْحربيَّة وبعدها أَخد الْإِعفاء. السُّؤال هنا ماذا لو لم يعترفِ الْأخ أَنَّه كان معتقلًا وقالَ أَنَّه كانَ مريضًا أَو مسافرًا؟ ملحوظة هو اعترف لأَنَّه مكانش عايز يدخل الْجيش فقط لا غير.
12- مع الْإِسلاميِّين الْمستقلّين أَو الْمستنيرين
بعد أَن تركتُ الْجماعةَ ظللت أَحمل فكرَ الْإِسلامِ السِّياسيِّ وأَنَّ الْإِسلامَ دينُ دولةٍ ولكن بدأت في الاتِّصالِ مع باقي الْإِخوانِ الَّذين تركوا الْجماعةَ مِنَ الْمفكرين الْمستقلّين مثل فريد عبد الْخالق ومحمد فتحي عثمان وعبد الْحليم أَبو شقة وأَحمد كمال أَبو الْمجد وسليم والْعوا وغيرهم ممَّن يُطلق عليهم الْمستنيرين وتحولتُ إِلى الْقراءةِ في أَسلمةِ الْعلومِ خاصَّةً إِصداراتُ الْمعهدِ الْعالميِّ للفكرِ الْإِسلاميِّ في فيرجينيا بأَمريكا. وكنت في كلِّ مرَّةٍ أَقرأ كتابًا عن أَسلمةِ أَحدِ الْعلومِ وخاصَّةً الْعلومِ السِّياسيَّةِ باعتبارِه تخصُّصي، كنت أَتأَكَّد أَكثر أَنَّهُ لا يوجدُ ما يُسمّى بعلمٍ إِسلاميٍّ وغيرِ إِسلاميٍّ، فهي علومٌ من إِنتاجِ الْإِنسانيَّةِ يحاولُ هؤلاءُ الْمدَّعون أَسلمتها عن طريقِ إِضافةِ بعض الْآياتِ والْأَحاديثِ والْقصصِ التَّاريخيَّةِ إِليها للقولِ أَنَّنا نعرفُ هذه الْأَشياءَ من قبلِ هؤلاءِ الْغربيّين الْكفّارِ. وهنا لابدّ أ نْ أَذكر تأثيرَ كتابِ الْأَحكامِ السُّلطانيَّةِ للماوردي الشَّافعيِّ وهو مِن كتبِ التُّراثِ الْإِسلاميِّ.
13- الْأَحكامُ السُّلطانيَّةُ
منَ الْأُمورِ التي جعلتني أُعيدُ التَّفكيرِ في مفهومِ “الْإِسلامُ دينٌ ودولةٌ”، قراءةُ كتابِ “الْأَحكامُ السُّلطانيَّة” للْإِمامِ الْماورديِّ الشّافعيِّ. فقد اعتقدتُ أَنّى سأَقرأ كتابًا يؤصِّل للسِّياسةِ الشَّرعيةِ منَ الْكتابِ والسُّنةِ، فإِذا بي أَمامَ كتابٍ يقومُ بشرعنةِ جرائمِ الْخلفاءِ واستبدادِهم، وشعرتُ أَنَّ الْماوردي نفسَه ممَّن يُطلق عليهم فقهاء السُّلطانِ خاصَّةً عندما وجدته يتَّخذُ من أَفعالِ الْخلفاءِ أَنفسِهم دليلًا شرعيًّا، تخيَّلوا أَن تُصبحَ أَفعالُ وقراراتُ معاوية بن أبي سفيان أَو مروان بن الْحكم دليلًا شرعيًّا في حدِّ ذاتِه؟
بمجرِّدِ انتهائي منَ الْكتابِ بدأت في مراجعةِ هذه الْفكرةِ “الْإِسلامُ دينٌ ودولةٌ” وانتهيتُ إِلى أَنَّه دينٌ فقط، أَمّا الدَّولةُ “فنحن أَعلمُ بأُمور دنيانا“.
وهكذا تخلَّصت من أَوهامِ الْإِسلامِ السِّياسيِّ تمامًا في رحلةٍ استغرقت من 1987 وحتّى 1999. ولكنّي في الْحقيقةِ لست نادمًا على هذه الرِّحلةِ فقد استفدتُ منها كثيرًا بالتَّعرُّفِ على هذا الْفكرِ الْميّتِ الْمُميتِ عن قربٍ، ممّا أَكسبني ومَن حولي حصانةً منه وأَعطاني هذه الْقدرةَ الْعاليةَ على نقدِه وعلى وعدمِ الانخداعِ ب “قالَ اللهُ وقالَ الرَّسولُ“.
وانطلقتُ بعد ذلك في رحلةٍ فكريَّةٍ اعتزلتُ فيها الْعملَ الْعامَّ مكتفيًا بعملي وأُسرتي وقراءاتي الْخاصَّةِ ومتابعةِ الْأَحداثِ عن بعدٍ لأَعودَ مرَّةً أُخرى في 2008 قوميَّا مصريًّا علمانيًّا ليبراليًّا.
26/10/2014
الصُّورة اللي على الْيمين أَوائل التِّسعينات في مكتبِ أَبويا في مدينةِ جَدَّة كان شغال Claiming Manager في L’Union des assurances de Paris كنت لسه مخلص الْعمرة في الرِّحلةِ اللي كنّا بنظمها في الْجامعة في نص السَّنة، وحالق قارعة على السُّنَّة حسب الْمذهبِ الْحنبليِّ
الصُّورة التانية بتكلم في ندوة في ذكرى اغتيالِ فرج فودة.