الخالق الحقيقي و الخالق المتخيل
الجزء 4
خالق العلم والكون وإله الخرافة والدين
أيها الصانع البديع، دعني أوجه الكلام لضحايا الخالق المزيف، المخدرة عقولهم بالخرافات والأساطير، وبعدها أرجع لمناجاتك.
تخيل عزيزي المؤمن، أنك دخلت عمارة من العمارات الذكية، مصممة ضد الزلازل، وضد الحرائق، مزودة بأنظمة إلكترونية ومعلوماتية، لكشف اللصوص وإطفاء الحرائق، كاميرات متأهبة، وأضواء تنار تلقائيا عند حلول الظلام أو عند الإحساس بأي حركة، ومصاعد متطورة مزودة بكل تقنيات الأمان…
وبينما أنت تتجول بين أدوارها وشققها… وتتأمل في بديع بنائها وتصميمها، وتتفكر في هذا المهندس والمصمم الذي أنشأها، أو الأحرى هؤلاء المهندسين والمصممين… إذا برجل بدوي أمي، يزعم أنه حارس ليلي، يخبرك بأنه يعرف مصمم العمارة، وأنه صديقه المقرب، وأنه يحمل منه رسالة لأي زائر للعمارة.
تأخذ هذه الرسالة، تفتحها وتتفحصها، فتكتشف أن خطها رديء، وأنها مليئة بالحشو والتكرار، ومعلوماتها متناقضة متضاربة، وأن كاتبها لايعرف شيئا عن أنظمة المراقبة الإلكترونية، وأنظمة الإدارة المعلوماتية، وغرفة التحكم والمراقبة… رغم أنه يقحم نفسه في تلك المواضيع، فيجعل من نفسه محط سخرية.
تطوي الرسالة وأنت متأكد أن صاحبها لايتجاوز مستواه مستوى ذلك الذي يزعم أنه حارس ليلي، وتكون متأكدا أن صاحب الرسالة لاعلاقة له بمصمم البناية.
تعطي الرسالة للحارس الليلي، ولايهمك إن كان فعلا حارسا ليليا للعمارة أم يدعي ذلك، لكنك لاتأبه للأمر، فليكن حارسا إذا أراد، ذاك شأنه.
لكنه يفاجئك بالقول، إن صاحب البناية كلفه بأن يتحكم في كل من يزور البناية أو يدخلها، ويكون قائدهم وسيدهم.
لم يعد الموضوع يتعلق بحارس ليلي غامض مشبوه، بل أصبح الموضوع يتعلق بعملية نصب مكشوفة، وكذب واضح على مصمم العمارة، واستغلال تلك البناية لأغراض شخصية، بطريقة مضحكة.
تحاول أن تشرح للحارس أنه يستحيل أن يكون صاحب العمارة ومصممها ومهندسها، عنده أي علاقة بهذه الرسالة المضحكة، وأن صاحب هذه الرسالة أقصى مايمكن أن يصل إليه، هو أن يكون ماسح أحذية عند صاحب العمارة.
سيرد عليك الحارس بأجوبة لاعلاقة لها بسؤالك، أنت تشرح له الهوة السحيقة والفرق الشاسع، بين ذكاء وعلم وقدرات صاحب العمارة، وغباء وجهل وتناقض صاحب الرسالة، وأنهما يستحيل أن يكونا نفس الشخص.
والحارس يرد عليك طيب من أوجد هذه العمارة، ومن صمم مصاعدها وكاميراتها وأضواءها…؟
تحس بأن التواصل منعدم مع هذا الحارس، وأنه لايفهم شيئا مماتقول، أو أنه يفهم ويتغابى، فتعتذر منه منسحبا.
هنا سيغير الحارس لهجته، وسينادي على مجموعة من الحراس المسلحين بهراوات وأسلحة بيضاء.
وسيخيرك بين الاستجابة لمطالبه، واتباع مايطلبه منك دون تفكير وكثرة سؤال، أو تسلمه ماتحمل من أموال وأشياء ثمينة ويتركك تغادر.
فهل تصدق ياعزيزي المؤمن، أن صاحب العمارة هو صاحب الرسالة؟
وهل العمارة ستحتاج مصمما ومهندسا واحدا، أم فريقا متكاملا متعاونا متناغما؟
وهل دقة التصميم، دليل على أن الرسالة من عند ذلك المصمم أو أولئك المصممين؟
أليست نسبة تلك الرسالة، لمصمم العمارة، إزراء به وتقليل من شأنه؟
إن هذا تماما هو ماتفعله الأديان ومخترعوها، وجدوا كونا مصنوعا، فكتبوا رسائل أو ألفوا قصصا وأساطير وخرافات ونسبوها له، ونصبوا أنفسهم مصلحين اجتماعيين وقادة سياسيين وعسكريين.
سأتركك عزيزي المؤمن تتأمل هذا المثال، لأعود أنا لمناجاة هذا الخالق، والتحدث إليه:
كم هو إله الخرافات والأديان، مسكين ضعيف صغير أمامك أيها الخالق العظيم.
وكم هم أتباعه مساكين بسطاء سذج، حين يعتقدون أن إله الأديان هو أنت، وأنك أنت بجلالة قدرك، هو نفس الكائن الذي أرسل كتبا غامضة متناقضة مليئة بالأخطاء.
فهل أنت الذي تخاطبنا بلغة العلم، من خلال كتاب الكون، هو أنت نفس الإله الذي يخاطبنا بلغة قبيلة من خلال كتب متناقضة، ويستعمل أساليب متخلفة للتواصل، ويكرر نفس أخطاء الوحي والمعجزات مرات ومرات ومرات، حتى مع عدم جدواها؟
أنت الذي خاطبتنا وتخاطبنا بلغة واضحة موحدة، تركت لنا رسائل وآثارا، عرفنا من خلالها كيف بدأ الكون، وكيف بدأ الخلق، وكيف تطور، كتبت لنا رسائلك على الحمض النووي، وقرأناها ففهمناها، وعرفنا طريقة عملك، وأخبرتنا بالأمراض التي تصيب الكائن الحي، وعرفنا من رسائلك علاجها، ولا زلنا نكتشف ونفك كل تلك الأسرار التي أودعتها في خلقك.
أنت الذي تركت لنا رسائل واضحة، نقرأ من خلالها قصة الكون قبل ملايير السنين، وحفظت لنا قصة النجوم والكواكب، وتركت لنا سجلات على كوكبنا، تخبرنا كيف تكون هذا الكوكب، وكيف تعاقبت عليه المخلوقات، وكيف ومتى ظهر الإنسان، وتاريخ تطوره، وحضاراته المتعاقبة…؟
أنت الذي وضعت قوانين للحياة، جعلتها بمثابة مفاتيح بين أيدينا لنعرف الأمراض والعلاج، ونسخر هذا الكون من خلالها لنطير ونسبح ونغوص ونتواصل ونسافر ونصنع ونخترع… كل هذا يسرته لنا بقوانين سهلة يسيرة، سخرتها لنا، كانت بمثابة اللغة الموحدة المنضبطة المتناسقة المتناغمة التي سطرتها في كتابك المنظور، ليقرأها كل من أراد، وبمجرد أن يقرأها لامحالة سيتفق مع غيره في فهمها وتطبيقاتها.
كيف بك أنت نفسك، تخاطبنا بطلاسم وأساطير، من خلال كتب مكتوبة بلغات محدودة مختلفة بائدة منقرضة، لتخاطب بها كل البشر، بخطاب غير مفهوم، متضارب متناقض، لا يقدم أي معلومة، ولا يحل أي مشكلة؟
فلو كنت أنت نفسه، هل عجزت أن يكون وحيك في كتابك المسطور، مثل علمك في كتابك المنظور؟ في الضبط والوضوح والدقة؟
هل عجزت أن تجعل آيات ومعجزات أنبيائك، مثل آياتك الكونية، الدائمة والمستمرة؟
هل عجزت تنبؤاتك في تلك الكتب المزعومة، أن تكون مثل تنبؤات العلم والأرصاد والطب والفيزياء والكيمياء…؟
لقد علمنا متى نشأ الكون وكيف نشأ، وعلمنا متى وجدت النجوم والكواكب، وعلمنا متى خلقت الأرض، وكيف كان شكلها، وكيف كانت القارات عليها، وكيف نشأت الحياة عليها، وكيف تطورت الكائنات…
أنت أخبرتنا بكل هذا وبأكثر منه، من خلال آثار وبصمات وقوانين وقواعد نتتبعها ونقيسها ونحسبها، بشكل دقيق، بدراسات الأحجار وتركيباتها، بدراسة المواد المشعة، بدراسة الأشعة، بدراسة المعادن، بدراسة النظائر، بدراسة الكرومزومات والحمض النووي والطفرات من خلال الثوابت الفيزيائية ومبادئ الميكانيكا… إنها شيفرات ورسائل أنت الذي وضعتها لنا، لتخاطبنا بها ومن خلالها، وحي واضح لا لبس أو غموض فيه، سجلات محفوظة لم تتحرف. السجل الجيولوجي والسجل البيولوجي والسجل الأركيولوجي…
فهل يمكن أنك أنت نفسك، بكل هذا الضبط وهذه الدقة وهذا الوضوح، أن تخبرنا في كتب متناقضة، بقصص أخرى خرافية وأسطورية، لادليل عليها، ولم نجد لها آثارا نهائيا؟
تخبرنا بطوفان عم الأرض كلها، وعصا شقت البحر، وشرفات قصر سقطت، وقمر انشق، وعصا تحولت لثعبان، وبشر يحيي الموتى، وآخر يعيش في بطن حوت، وجذع شجرة يبكي، وناقة خرجت من صخرة، وحمار يطير بجناحين خارج الفضاء؟
هل عجزت أن تجعل وحيك وآياتك ومعجزاتك ورسالاتك واضحة جلية قطعية، حجة على جميع الخلائق، كما هي الشفرات والبصمات والآثار الجيولوجية والبيولوجية والكونية، في هذا الكون؟
هل عجزت أن تجعل آياتك الشرعية بمثل دقة وضبط ووضوح آياتك الكونية؟
هل عجزت أن تجعل آياتك وقصصك الشرعية تصمد أمام المنهجية العلمية أو أي منهجية أخرى محايدة، كما تصمد آياتك الكونية؟
أم أنك لست نفس الكائن ونفس الصانع؟
الحقيقة أنه لتصمد آياتك الشرعية، يفرض رجال الدين قواعد ومناهج منحازة، ويخترعون ترقيعات وتلفيقات يسمونها حينا علوم كلام وأحيانا علوما دينية وقواعد شرعية… وهي في النهاية متاهات وفبركات وحيل وترقيعات، صيغت كلها بطريقة العربة أمام الحصان، وبمنهجية اعتقِد أولا ثم استدل بعد ذلك، وإلغاء العقل وتحقيره وإهانته، لكي يُفسَح المجال أمام الانقياد والتسليم، ليفعل فعلته في الأتباع والمريدين والمؤمنين المسَلِّمين المستسلمين المنقادين.
وإلا فأي علم هذا الذي يشترط الدين أو المذهب كشرط ومعيار لصحة المعلومة أو الخبر.
أي علم هذا الذي يشترط الإيمان والتسليم والإذعان والانقياد؟
علم الرجال يطلب منك أن تسلم أن بعض أولئك الرجال عدول صادقون، ينبغي أن تؤمن بذلك وتصدقه، وإلا انهار البناء وتلاشى هذا العلم.
نصدق بالمعجزة المسيحية لأن من أخبرنا بها مسيحي موثوق عند المسيحيين.
وبالمعجزة الإسلامية، لأن من أخبرنا بها مسلم عدل ضابط.
ماذا إذا كذب أو طعن في المعجزة شخص أو مجموعة أشخاص من ديانة أخرى، قطعا طعنهم وتكذيبهم مردود.
فهل على مثل هذا الأساس تقوم العلوم، وهل ترد النظريات العلمية أو تقبل، بسبب ديانة ومعتقدات أصحابها؟
وهل تكتسب نظرية أو قانون أو قاعدة علمية، قوتها بحسب معتقد قائلها، وتسقط وتتهاوى بالطعن في دينه؟
أم أن هذه المنهجية المتهافتة، لايتم استعمالها إلا في ما يسمى علوما دينية، وفي الأسانيد ونقل الروايات وتداول المعجزات…؟
هل أنت خالق العلم وواضع قوانينه وقواعده وشفرته التي تخاطبنا من خلالها، أنت نفسك إله الأساطير والخرافات، الذي لايستطيع إيجاد طريقة فعالة لمخاطبة البشر، ويخاطبهم بطرق بدائية، وأساليب بهلوانية، ويرسل آلاف الرسالات والرسل والكتب، ثم بعد ذلك كله يفشل في مساعيه، ويجتمع بين يديه ركام من الديانات والأساطير والخرافات والمعتقدات المتصارعة، ويعجز عن إقناع الناس برسالته، وعن جمعهم حول فكرة واحدة، أو حتى أفكار متقاربة، فتنقسم الأديان، وينقسم الدين الواحد، ثم تنقسم الطائفة الواحدة، فضلا عن الملايير الذين لايؤمنون به نهائيا.
كل هذه الانقسامات، قطعا ليست بسبب البشر، بل بسبب طريقة التواصل الفاشلة لهذا الخالق المتخيل، لإله الأديان المسكين، لصنم السماء القابع هناك في خيال المتدين.
هل أنت حقا خالق الكون هو نفسه إله هذه الأساطير؟
هل أنت حقا صاحب هذه الإنجازات العظيمة، هو نفسه صاحب هذه الكتب المتناقضة والمبهمة والساذجة، المليئة بقصص الأطفال وقصص الخيال العلمي، والعبارات المقطعة الأوصال، والاستدلالات الدائرية، والمنطق الأعوج، وأسلوب الأباطرة والحكام المستبدين، في التهديد والوعيد والإغراء والاستمالة والاستقطاب…؟
أنا سأجيب مكانك.
لست أنت، قسما بك، أنك لست أنت،
قولا واحدا لا شك فيه.