البؤساء
عاشت أغلبُ الشعوبِ العربيّةِ والمغربيّةِ تحتَ مظلّةِ الاستعمارِ الأوروبيِّ بين القرنين التاسع عشر والقرنِ العشرين. مضت عليها الثورةُ الصناعيَّةُ والنهضةُ الحقوقيّةُ وهي مُغيَّبة في هامشِ التاريخِ الحديثِ. هشاشةُ الدولةِ العثمانيّةِ قبل انهيارِها كانت أحدَ سُبُلِ سهولةِ تمكُّنِ الأوروبيّين من الاستحواِذ على أراضي هذه الشعوبِ.
في المدنِ الرئيسةِ كانت مناطقُ الحكمِ، وفي الأريافِ يقطنُ الناسُ البسطاءُ الذين تتالَت عليهم زُمرُ الحكّامِ المستبدّين من مستعمِرٍ برايةِ الخلافةِ إلى مستعمِرٍ برايةِ الحضارةِ، وبالتالي لم يعشِ الناسُ، مشرقًا ومغربًا، دولةً بناها أهلُهم وذويهم. هذا الأمرُ مع بساطةِ السردِ هنا، قد يفسرُ لوحدِه كونَنا اليوم في مؤخّرةِ مسارِ الحضارةِ وأحيانا خارج الملعبِ تمامًا.
يجدرً الإشارة أيضًا إلى كونِ الاستعمارِ الأوروبيِّ قاهرًا للسكّانِ الأصليّين باعتبارِهم مواطنين من درجةٍ ثانيةٍ واصلوا حياتَهم البدويّةَ بعيدًا عن العلمِ ونورِ الحداثة. بعد الاستقلالياتِ المعروفةِ منتصفَ القرنِ العشرين استحوذت عساكرٌ دمويّةٌ وديكتاتورياتٌ ملكيّةٌ على الحكمِ في جُلِّ دولِنا العربيّةِ والمغربيّةِ. ما نعيشُه اليوم هو نتيجةُ تاريخٍ واضحِ الأطرِ لم يكنْ له ليُنتِجَ حاضرًا مختلفًا.
مختلفُ محاولاتِ الإصلاحِ ارتكزت على ذهنيّةٍ سلفيّةٍ تتمثَّلُ في العودةِ إلى ماضٍ حافلٍ أو صحوةٍ دينيَّةٍ أيضًا بطرحٍ رجعيٍّ. لقد أدَّت بعضُ هذه المحاولات إلى مواجهاتٍ قاسيةٍ جدًا. خرجَ الأوروبيّون من مدنِ بلاِد العربِ والمغربِ فقطنَ مكانَهم ومنازلَهم سكانٌ أصليون. هم أصليّون نعم لكن المنازلَ ليست بيوتهم الأصلية. لبسوا مثلهم وأتوا كلَّ شوارعِهم وكلَّ مصاعدِهم وكلَّ حاناتِهم لكنَّهم في مدنٍ غيرٍ مدنِهم. سرعان ما تلوَّنت مدنُ ومنازلُ الأوروبيين التي تركوها بألوانِ الفلكلورِ في ظلِّ ارتباكٍ ثقافيٍّ حلَّ دون تناغُمِ الانسان وبيئته.
أخوضُ في هكذا مقدمةٍ ودونَ سردِ الكثيرِ من الظروفِ والتفاصيلِ geyimedicals.es اللازمةِ من أجلِ التأسيسِ لما سيأتي لاحقًا من نتائج مباشرةٍ في نظري.
لماذا يعيشُ العربُ اليوم في إحباطٍ شاملٍ للمعنويّاتِ، هل أصبحت حياتُنا شبيهةً بمحطّةِ انتظارٍ للموتِ؟ هل يمكنُ وضعُ النورِ على صلبِ المشكلِ والقدومُ ربّما بحلولٍ ولو ضبابيّة؟ في الواقعِ أردتُ بدايةً التفكيَر بإشكاليّةِ الجنسِ في موطنِ العربِ والمغربِ بصفةٍ عامة.
المسألةُ المتعلِّقةُ بالجنسِ هي قضيّةٌ خفيّةٌ لا يُنطَق بها في العلنِ ولا يجرؤ الناسُ كجماعاتٍ بالخوضِ فيها رسميّا إلّا ما تعلّقَ بالجانبِ الصحيِّ والطبيِّ الخ. تشتركُ مجتمعاتُنا في النظرةِ “الحراميّة” نحو هذا الموضوعِ. الجنسُ، الحياةُ الجنسيّةُ، المشاكلُ الجنسيةُ هي مصطلحاتٌ لا يعترفُ بوجودِها رسميًا الانسانُ العربيُّ والمغربيُّ. قد يلفُّ حولها ويحومُ الفردُ من أجلِ صياغةِ انشغالٍ ما متعلِّقٍ بالجنسِ لكن سرعان ما تتعرَّضُ له زبانية المجتمعِ.
الطريقةُ الفلكلوريّةُ في تزاوجِ الرجلِ بالمرأةِ واضحةٌ في أذهانِ من يواصلون تخليدَ التقاليدِ الموروثةِ من عصورٍ غابرةٍ. الأولياءُ هم من يقرِّرون متى ينكحُ الابنُ بنتَ فلان، تقليديّا يتمُّ الأمرُ في سنواتِ البلوغِ الأولى وهذا ربَّما كان ذريعةً لنسيانِ مشكلِ الجنسِ لدى الشبابِ. لكن، بعد تحرُّر الشعوبِ من المستعمِرين الأوروبيِّين، بدا الأولادُ يطيلون التمدرسِ وينتبهون إلى انشغالاتٍ أخرى نابعةٍ من نظامِ المدرسةِ، الجامعةِ والعملِ. هذه القفزةُ الثقافيّةُ خلقت عدمَ انسجامٍ بين الأولياءِ وأولادِهم. ظاهرةُ صراعِ الأجيالِ.
تغيُّرُ نمطِ عيشِ الشعوبِ العربيّةِ والمغربيّة ابتداءً من مرحلةِ ما بعد الاستعمار، أثّر في توقيتِ وصولِ الأفرادِ إلى الزواجِ التقليديِّ وهذا بسببِ اقترانِ الموضوعِ بمنصبِ العملِ وأكثر منه أحيانًا بالعودةِ من الخدمةِ العسكريّةِ لدى الذكورِ، لاحقًا تطيلُ الفتاةُ أيضًا التمدرسَ ويطولُ معه سنُّ الوصولِ إلى الزواجِ.
الاشكاليّةُ التي أطرحُها تتعلّقُ بالبؤسِ الجنسيِّ الذي يعيشُه الأولادُ في هذه المرحلةِ الطويلةِ (من سنِّ البلوغِ إلى الثلاثيناتِ تقريبًا) انتظارًا وتحسبًا للزواجِ التقليديِّ. ربَّما مصطلحُ البؤسِ الجنسيِّ حالةٌ مرضيّةٌ canaltaronja.cat data-contrast=”auto”>ولا تنطبقُ على كافّةِ شبابِ العالمِ العربيِّ لكن عمومًا الغريزةُ الجنسيّةُ غيرُ مشبعةٍ تمامًا بصفةٍ روتينية لدى الأفرادِ.
من منبعِ ديني محض انسلخت جُلّ المعايير المجتمعاتية التي من خلالها يتم تجريم الأنثى، ابتداءً، بكونها المعتدية بآلة الإغراءِ على الرجلِ، ثم انتهاءً، عند اتخاذِها أنَّها أتت الفاحشةَ بعد فقدانِها لمحاميها الوحيدِ الذي كان بإمكانِه إثبات براءتِها، ألا وهو غشاء بكارتِها. الذكرُ أيضًا ليس من نصيبِه إلّا العقاب والطرد إن ثبتَ تورطُّه في مسألةٍ جنسيّةٍ وفي بعضِ الأحيانِ يصلُ الأمرُ إلى التقاتلِ.
يمضي الجنسان (الذكر والانثى) أخصبَ مرحلةٍ من عمرِهم في حالةِ تباعُدٍ مرضيّةٍ. في قهرٍ نفسيٍّ وخوفٍ من المستقبلِ علمًا أنَّ قفصَ الزواجِ آتٍ لا محال. ينبغي أن يتفطَّنَ الجميعُ أنَّ من حقِّ الأولادِ ذكورًا وإناثًا حريةِ تقريرِ مسارِ حياتِهم، بعيدًا عن الاعتباراتِ الاجتماعيّةِ والدينيّةِ القاهرة. ففي الحريةِ يأتي مجالُ المحاسبةِ عند الخطأ وفي الحريةِ يبني الفردُ بيتَه مع الشخصِ المناسبِ ارتكازًا على تجارب بناءةٍ لا الذهاب إلى الزواجِ كوسيلةٍ وحيدةٍ وحصريّةٍ لإشباعِ غريزةِ الجنسِ الطبيعيّةِ.
بقلم: شامك غيلاس